يستحق حوار مانويل جوزيه هذا الغضب والاستياء وما بدا من حنق لدي كثيرين في الوسط الرياضي وخارجه، فالحوار الذي أجراه الصحفي البرتغالي أنطونيو ريبيرو مع جوزيه في لشبونه ونشرته المجلة الممتازة سوبر ونقلته عنها جريدة الدستور أمس الأول يحمل بالفعل آراء قاسية وعنيفة تجاه مصر والمصريين والوسط الصحفي الرياضي، لكن يبدو مهماً هنا أن نتوقف عند مداخل أساسية لفهم ما قاله جوزيه في هذا الحوار فكأنه قص السلك الخطأ في قنبلة زمنية فانفجرت فينا.
أولاً مانويل جوزيه خرج من مصر مرفوع الهامة وناجحاً بل فائق النجاح ولم يخرج منها مهزوماً أو ممروراً أو يحمل ضغائن وأحقاداً، بالعكس فالرجل كان ولعله لايزال ملكاً متوجاً في قلوب جماهير الأهلي الذي حدد جوزيه عددها بأربعين مليون مصري ولا أظنه تجاوز الحقيقة!
ثانياً جوزيه مدرب كبير ورائع، ورغم أنني لا أفضل وصفه بالعبقري فإنني لن أبذل جهداً لنفي هذه الصفة عنه وقد قدم الرجل للأهلي نجاحات مذهلة وإنجازات تاريخية وبالقطع كانت هناك ظروف ساعدته علي هذا المجد ربما توفر أهم لاعبي مصر في النادي الأهلي خلال ولايته، وربما بسبب انهيار الزمالك خلال نفس الفترة لكن هذا لم يكن ليحقق شيئاً لو لم يكن جوزيه هذا المدرب العظيم.
إذن ندرك هنا أن جوزيه عندما يكشف أو ينتقد أو يهاجم إنما يتكلم من موقع الناجح المنتصر الذي يعرف مدي عمق محبة ملايين المصريين له بمن فيهم جمهور الزمالك والإسماعيلي كما قال بنفسه ، يبقي ننسي خالص حكاية إنه حاقد وحاسد وغاضب وهذا الكلام الهراء، فالرجل ليس كذلك إطلاقاً وهو يتكلم في أجمل مباراة لم يلعبها بوضوح وصراحة وبعقلية غربية لا تجيد اللف والدوران ولا النفاق والتدليس في إبداء رأيه، نعم هذا هو أجمل ما في جوزيه فهو ليس منافقاً أبداً ولا كذاباً وما يحس به يقوله وعمر ما ضبطه أحد وقد أصيب بالعدوي المصرية من إنفلونزا اللوع والنفاق والكلام بوجهين والضرب تحت الحزام ومن وراء الظهر، مشكلة جوزيه أنه رجل دوغري في بلد لا يعرف الطرق المستقيمة أبداً بل نحن الذين احترفنا النفاق والنفخ في الذات والضحك علي النفس، من هنا جاءت صدمة ما قاله جوزيه موجعة ومفاجئة وقاصمة لنفاقنا، فنحن كنا نتوقع منه أن يقول شعراً ومدحاً في مصر ومجتمعها وأن يشيد بحكمة الرئيس وروعة الإدارة المصرية وكل هذا النفاق الذي نلهي به أنفسنا !
الحقيقة أن أي مصري محب لبلده ومهموم به عليه أن يفكر كثيراً ويتأمل بقوة في آراء جوزيه فهي تستحق الاهتمام والنقاش، فعندما يسأله المحرر: ما أكبر الصعوبات التي واجهتك في مصر؟ فقد أجاب : (لا توجد صعوبات، ففي البرتغال يقولون في بلد العميان يعتبر الأعور نفسه ملكاً، فزت بكل شيء، لكن بصعوبة كبيرة.. كل يوم كانت لدينا مشكلات.. عادات سيئة وعقلية غريبة).
هذه إجابة في منتهي الصراحة، فالرجل يري مصر بالقياس إلي دولته أو إلي أوروبا عمياء وهو قد جاء لها وهو ليس أعظم مدرب ولا أفضل عقلية في البرتغال ولكنه نجح لأنه بمثابة الأعور وسط العميان، ما الجارح في هذا الكلام ؟ هل نعتقد أننا علي نفس درجة تقدم وتفوق الدول والمجتمعات الأوروبية ؟ بأمارة إيه إن شاء الله، إن الوضوح والاستقامة مع النفس ضرورية جداً كي نستطيع أن نتطور ونتقدم، لكن لو فاكرين نفسنا ياما هنا وياما هناك تبقي مصيبة تؤخرنا وتجيبنا ورا، وعندما يقول جوزيه إن في مصر عادات سيئة وعقلية غريبة فهذا عين العقل وكبد الحقيقة، والمهم ونحن نسمع هذا الكلام من رجل أحببناه وأحبنا أن نحلله ونفهمه كي نحل مشاكلنا ونغير عقليتنا، لا أن نعند ونعاند وكأننا كنا نفضل أن يترك جوزيه الحديث عن حياته في مصر لحسام البدري!
عندما يري جوزيه أن كل الأمور في مصر تتبع العاطفة وأن اللاعبين ليسوا أقوياء نفسياً (وغير اللاعبين والله يا كابتن جوزيه ) فهذا كلام مهم عايز ناس عاقلة تدرسه، ثم لما يضيف أن الشيء الأسوأ الذي يمكن أن تفعله بلاعب مصري هو أن تضع المسئولية علي كتفيه لأنه لا يتحمل، فهذا تحليل ينطبق علي كل شبابنا قبل لاعبينا، ويشرح لنا كثيراً من لحظات ومبررات انكساراتنا، ولما يعري هذا الرجل فضائح العقود في بلدنا فليس أمامنا إلا الاعتراف بأنه علي حق، أما الذي أغضب الوسط الصحفي الرياضي مما أعلنه جوزيه أن معظم الصحفيين المصريين لا يفقهون شيئاً في كرة القدم وسيئون كصحفيين وسيئون كأشخاص ولهذا هو لم يحترمهم ولم يستثن من ذلك إلا عشرين في المائة فقط من الصحفيين، فهذا رأي الرجل وهو حر فيه ومن حقه كما قال الصحفيون كثيرا آراءهم فيه أن يرد برأيه فيهم، خصوصا أن بعضنا يري أنه استثني من السوء عشرين في المائة وهي نسبة كبيرة جداً تنم عن مجاملة رقيقة من جوزيه للوسط الرياضي المصري يجب أن نشكره عليها!!