أفلا تعودي...
ماذا حلَّ بهذي الرقعةِ الحسناءْ
ماذا حلَّ بهذي الشجرةِ الشمخاءْ
ماذا حلَّ بهذا النهرِ وهذا الطيرِ وهذي السماءْ
ماذا حلََّ بكِ يا مصر؟!
أراكِ تشيخين ولا زلت فتاةً في مقتبل العمرْ
أراكِ تفقرين وفيكِ ثراءُ الأرض وكنز البحرْ
أراكِ تموتين ولا زالت فيكِ حياة الفتيات وذكرى النصرْ
وأذكر هذا النصر
وأذكر حيناً كنت الأولى في العالم ..ومنبع انطلاقِ الدهرْ
أنا أذكر حقيقة مصر
ما زلت أذكر أن مصر هي نور هذي الأرض في عصر الظلماتْ
وأذكرأن بِطِينِها من عصور حضارة الماضي بعضَ الفتاتْ
وأني لازلت مصرية..لكني لا أواجه بذلك الأزماتْ
يا مصر هلا تُرجعي عصر الحضارة من قرونْ؟!
هلا تسمعي صوتَ الصراخِ وذا الأنينْ
مصر الهبة... تأخذ من أعدائها الديون أو الهباتْ
ينضبُ خيرها شيئا فشيئاً.. وتسحب للمواتْ
تريديني أنسى؟ وكيف أنسى أنني أموت كل يومٍ مرةً في بلدةٍ تتاجر بالحياة؟
وأنا أرى جموعَ الناسِ تجري وراء العلمِ ..ونحن نجري وراء فتاة
يا لوعتي يا بلدتي يا مسرحا لعدالةِ الأوطان.. تُسلّمين ولاءك للطغاة وللعماة
يا لوعتي وأنا أراك تدحرجين من أعلى العلا على جبال المجد ..
يدحرجك اللهاة
لا زلت مصرية.. يا ليتني ما كنت كي لا أكتوي بنارِ مصرَ ونار ما يجري لها.. ومن وأدِ الحياة
ترمي بنا في البحرِ أو الحريق أو تقتل الأخلاق والحب فينا ..
وتعبد الأهواء وتشكي للإله
تخاصم الأبناء تسالم الأعداء وتستر السرقاتْ
شلت أياديها وذهب العقل في حثال دنيا
وصارت مجالسُ للقرار..حاناتْ
وصار العلمُ يكمنُ في النهود وصار الدين يقصرُ في العظاتْ
وصار جلُ همومِنا كيف تزويجِ البناتْ
تريديني أنسى؟ وأي نسيانٍ لأنسى ذا الأسى وتكفَّ عن فمي الآهاتْ؟
وأنا أرانا قد قربنا من سفح الحثالةِ والرفاتْ
وأنا أرى وجوهَ الحقِ تُغمر في الترابْ
تسقي بيدها الظلمَ والأحقادَ حتى ينموَ زوجُها نحوَ السَّحابْ
والنيل لُوثَ بالخطايا.. والنصرُ مُحِي من الكتابْ
الأسد مرضَ من الأسى بعدما صعد الكلابْ
فلماذا يحزنك التذكر أن عينيك ترى؟
أم قد سئمت من العتابْ؟
إني سمئت من التأوه عندما يلهو الطبيبُ بنفسه....
يضحى مريضا بالكسورِ وبالحروق وبالوباء والاكتئابْ
يضحى مريضا بالقديمِ وبالأماني..
ثم يأبى الدواء؟ وأين اللذةُ في العذابْ؟
جهلاءُ صعدوا ..حكماءُ صمتوا.. والمجد صار من السرابْ
علماءُ قُهروا.. فقراءُ قُتلوا بالمئاتْ
والناس في فوضى وتعالت الأصواتْ
كلام؟ يامصر لا يكفي الكلام.. أعدلُك يحكمُ بالفئاتْ؟
ما عاد شرفاءُ في وطني..
فلسانهم قد سُجنَ في قولةِ الحق وأشلاؤهم في كل الجهاتْ
تريديني أنسى؟
يا مصر لا زلت مصرية ..شرفي يذكرني بالقتل وبالفسادْ
فأنا وليدة أقوى جند في البلادْ
وأنا خليلةُ أمةِ الإسلام... ونهضتي عبرَ السلام والاجتهادْ
وأنا شهدت جريمة قتلِها.. الأيدي الدنيئةُ قتلت نهضتي وكرامتي.. وادعى الناس الحيادْ
وأنت أيضا.. أغمضت عينك وادعيت القدر أعماك
لِمَ لمْ تسمعي أصواتَ حرقى وغرقى الذل؟
لِمَ لَمْ تسمعي صمتَ الحدادْ؟
ينضبُ خيرُك شيئاً فشيئاً.. يسحبك العدو إلى المماتْ
شرفي يذكرني بأن الموت آتْ
والكل ينتظر النهاية في ذهولْ..
البعض يأس من الوباءْ
والبعض تشغله الطبولْ..
والبعض يبحثُ في الذاكرةِ عن الدواءْ
والبعض هَامَ للبحث في المجهولِ عن المجهولْ...
والبعض ألهَى هؤلاءِ وهؤلاءْ.. وعاث فساداً ولن تجدي المسؤول
تجنين بنفسِك عليها.. فعدلُ الحكمِ لصالح جانٍ
فالحكمُ سيقتل المقتولْ
تريديني أنسى؟
يا مصر لن أنسى ..لن أنسى الحضارةَ من زمنْ
لن أنسى أنك تجهزين لنفسِك الكفنْ
وأنك قد كنتِ أسمى وطنْ
وأنك تأبين التحركَ للحياةِ وللخروجِ من المحنْ
أيئستِ من طولِ الطريق؟
إذن لِمَ تسلكين طريقا لا يؤتمن؟
أفلا تعودي؟... للكرامةِ والحياة
للبهاءِ وللصلاة
أفلا تعودي إلى روحِ البناتْ؟
فأنا سأبقى... للكلامِ وللعملْ
حتى يتركَني الأملْ
لن أنسى ألمَ الحاضرِ.. وضياءَ الذكرياتْ
لن أنسى أنني مصريةٌ في الهيئةِ والصفاتْ
منقووووووووووول