كما تدين تدان

** بسم الله الرحمن الرحيم **


لم
يكن راشد قد جاوز الثلاثين عدما انجبت زوجته اول ابنائه ، واسم الطفل سالم
،كان في تلك الليلة في سهرة مع اصدقائه ، لا تمت للفائدة بصلة بل كان يكثر
فيها المزاح المسئ للغيرو الملئ بغيبة الآخرين ، وكان هو دائما مثير الضحك
، فقد كان يستطيع تقليد صوت أي انسان و تغيير نبرة صوته الى درجات مختلفة
..

و
من تلك المزحات التي القاها موقف حدث له اليوم ، حيث كان في السوق و كان
هناك اعمى يتحسس طريقه فأخذ يسخر منه ، ووضع قدمه امامه فاسقطه على الأرض
فقام الأعمى و على وجهه تعبير الخجل مما حدث له ، ثم اخذ راشد يضحك ويضحك
ويضحك....

و
عندما عاد الى منزله بعد سهرة حافلة بالسخرية والكلام السئ مع رفقاء السوء
و جد زوجته في حالة يرثى لها فسألها عما بها ، فأجابت انها تشعر بآلام
شديدة و تحتاج للذهاب الى المستشفى لتضع طفلها ..

فأخذها
الى المستشفى واخذ ينتظر وينتظر و عندما تأخروا في غرفة العمليات بدون ان
يزفوا له خبر وضع زوجته للمولود ، ترك لهم رقم هاتفه ، وطلب منهم ان
يتصلوا به عندما ينتهوا ..

بعد ساعة جاء الاتصال و عندما رد طلبوا منه الحضور الى المستشفى حالا ..

وعندما
وصل وهم بالذهاب للاطمئنان على زوجته قالوا له انه عليه مراجعة الطبيبة
اولا ، فذهب الى الطبيبة ، فبدأت حديثها عن الأقدار و ما يريد الله وبعد
حوار طويل اخبرته ان مولوده مصاب بتشوه في البصر ..

لم
يكن يصدق ما حدث ، احس انه في كابوس مزعج و كان في شدة الحزن ، و عندما
علمت زوجته لم تحزن وقالت انه قضاء الله وقدره ،وكانت تعلم ان هذا من
افعال زوجها السيئة و دعت الله ان يهديه فحسب ..

و
كبر الطفل (سالم) ووالده كان بعيدا عنه تماما وعندما بدأ في المشي فوجئ
والداه بأنه معوق،ولم يمانع والده عندما طلبت الام ان تلحقه بمدرسة
للمعاقين ، وحياة (راشد) لم تختلف عن حياته قبل مجئ سالم ، لم تتغير عن
العمل والطعام والنوم والسهر..

و انجبت الأم (عمر) و (خالد) وكانا طبيعيين ، لم تحزن الأم لحال (سالم) لكنها كانت حزينة لأنها ترى زوجها يداعب (عمر) و(خالد)

و يبتعد كثيرا عن سالم..

و
في يوم ، كان يوم الجمعة ، كان (راشد ) مدعوا الى وليمة فجهز و تعطر ،
ولما هم بالذهاب ، وجد سالم ، ابن العشرة اعوام ، يجلس على الأرض في
الصالة ويبكي ،فاقترب منه و عندما تحسسه راشد

ابتعد عنه سالم ، كما لو كان يقول له "ابتعد عني ، األآن تذكرتني ؟"

لكن
راشد احس بأن عليه ان يعرف سبب بكاء ابنه ، فظل يربت عليه و يسأله بلطف ،
حتى اخبره الطفل بسبب بكائه ، فقد تأخر عليه اخوه (عمر) الذي كان يصتحبه
كل جمعة للصلاة في المسجد .

فدمعت عينا (راشد)،وسأل نفسه "منذ متى لم يدخل المسجد ؟"

اصطحب
ابنه الى المسجد للصلاة و صلى لأول مرة بعد فترة طويلة ،و بعد الصلاة جلس
مع ابنه فطلب منه ابنه مصحفا ، و احس والده بالحرج من ان يسأله كيف و هو
كفيف ؟ ، فأحضره له ، ثم طلب منه سالم ان يفتح صفحة سورة يس ، ففتحها
الوالد ، فأخذ الولد يتلوها ، مما اسعد الأب كثيرا ، ودمعت عيناه واجهش
بالبكاء لكنه تمالك نفسه ، لكثرة المصلين حوله ولأنه يجب ان يلتزم الهدوء
..

اصبح راشد بعد هذا اليوم شخصا آخر غير راشد المستهتر العاصي لربه المغتب للآخرين، اصبح لا يفوت صلاة جماعة الا و يصليها في المسجد ..

ترك رفقاء السوء والتفت الى بيته واسرته و عمله ، و اصبح متدينا و يشهد له بالتغير الكبير ..

و في يوم من الأيام ، عرض عليه رفقاء الخير السفر الى بلد بعيد للدعوة الى الله ، ووافق على الفور لكنه انتظر ليأخذ رأي زوجته ..

عندما سألها توقع منها الرفض لكنها اجابته بالموافقة على الفور ايضا ، لأنها رأت ان هذه غاية عظيمة ليسافر من اجلها ..

و
سافر (راشد) وكان من وقت لآخر يتصل باسرته ليطمئن عليهم ،و ذات مرة اراد
ان يسمع صوت (سالم ) الذي لم يصادف ان حدثه منذ سافر ، لعله كان في
المدرسة او المسجد ، فردت الأم انه غير موجود ووعدت زوجها ان توصل سلامه
الى الابن ..

و عندما عاد (راشد ) قابله ابنه خالد باكيا ولما سأله عن سبب بكائه اخبره ان (سالم ) مريض بالحمى منذ ثلاثة اسابيع ..

فذهب اليه و اخذ يبكي بجواره و لكنه حاول ان يخفف عنه و يقويه بكلام يجعله ينسى مرضه ويعلم ان ارادته هي ما ستشفيه ..

ولكن ما كان الا يومين حتى وقع امر الله ووافت (سالم) المنية ..

وكان والده هو من اشد من حزن عليه ..

لكنه
اخذ يدعو له بالرحمة على ما ادى اليه في حياته ، فهو السبب في ابعاد ابوه
عن السوء و المعصية و الفاته الى الخير ليعوض ما فاته من حياته ....