يوم في بيت الرسول علية الصلاة والسلام
المقدمة
الحمد لله الذي بعث رسوله بالهدى ودين الحق، والصلاة والسلام على إمام المرسلين المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
رغبة في تقريب سيرته ودقائق حياته إلى عامة الناس بأسلوب سهل ميسر كانت هذه الورقات القليلة التي لا تفي بكل ذلك
فقد كانت حياته عليه الصلاة والسلام حياة أمة وقيام دعوة ومنهاج حياة..
وإن فاتنا في هذه الدنيا رؤية الحبيب عليه الصلاة والسلام وتباعدت بيننا الأيام.. فأدعو الله عز وجل أن نكون ممن قال فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام: «وددت أنا قد رأينا إخواننا» قالوا: ألسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: «أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد» فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: «أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله»؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «فإنهم يأتون غرًا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض...».
أدعو الله عز وجل أن يجعلنا ممن يتلمس أثره عليه الصلاة والسلام ويقتفي سيرته وينهل من سنته كما أدعو الله عز وجل أن يجمعنا معه في جنات عدن، وأن يجزيه الجزاء الأوفى جزاء ما قدم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الزيارة
سنعود قرونًا خلت ونقلب صفحات مضت، نقرأ فيها ونتأمل سطورها، ونقوم بزيارة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته عبر الحروف والكلمات.. سندخل بيته ونرى حاله وواقعه ونسمع حديثه، نعيش في البيت النبوي يومًا واحدًا فحسب، نستلهم الدروس والعبر ونستنير بالقول والفعل.
أخي المسلم:
نحن لا نعود سنوات مضت وقرونًا خلت لنستمتع بما غاب عن أعيننا ونرى حال من سبقنا فحسب، بل نحن نتعبد لله عز وجل بقراءة سيرته صلى الله عليه وسلم واتباع سنته والسير على نهجه وطريقه، امتثالاً لأمر الله عز وجل لنا بوجوب محبة رسوله الكريم، ومن أهم علامات محبته صلى الله عليه وسلم طاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر.
يقول الله عز وجل عن وجوب طاعته وامتثال أمره صلى الله عليه وسلم وجعله إمامًا وقدوة: (( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )).
وقال تعالى: (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )).
وقد ذكر الله طاعة الرسول واتباعه في نحو من أربعين موضعًا في القرآن ولا سعادة للعباد، ولا نجاة في المعاد إلا باتباع رسوله، (( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ )).
وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم حبه من أسباب الحصول على حلاوة الإيمان فقال عليه الصلاة والسلام: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما...».
وقال عليه الصلاة والسلام: «فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده».
وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم سيرة عطرة زكية منها نتعلم وعلى هديها نسير.
الرحلة
الرحلة إلى حيث بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ورؤية دقائق حياته وأسلوب معاملته أمر مشوق للغاية كيف إذا احتسبنا فيه الأجر والمثوبة.
إنها عظة وعبرة، وسيرة وقدوة، واتباع واقتداء، وهذه الرحلة رحلة بين الكتب ورواية على ألسنة الصحاب.
ها نحن نطل على المدينة النبوية وهذا أكبر معالمها البارزة بدأ يظهر أمامنا، إنه جبل أحد الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم : «هذا جبل يحبنا ونحبه».
وقبل أن نلج بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ونرى بناءه وهيكله، لا نتعجب إن رأينا المسكن الصغير والفراش المتواضع فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وكان متقللاً منها، لا ينظر إلى زخارفها وأموالها: «بل جعلت قرة عينه في الصلاة».
وقد قال صلى الله عليه وسلم عن الدنيا: «مالي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها».
وقد أقبلنا على بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ونحن نستحث الخطى سائرين في طرق المدينة، هاهي قد بدت حجر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنية من جريد عليه طين، بعضها من حجارة مرضومة ( أي بعضها فوق بعض ) وسقوفها كلها من جريد.
وكان الحسن يقول: كنت أدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة عثمان بن عفان فأتناول سقفها بيدي.
إنه بيت متواضع وحجر صغيرة لكنها عامرة بالإيمان والطاعة وبالوحي والرسالة!
صفة الرسول صلى الله عليه وسلم
ونحن نقترب من بيت النبوة ونطرق بابه استئذانًا.. لندع الخيال يسير مع من رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصفه لنا كأننا نراه، لكي نتعرف على طلعته الشريفة ومحياه الباسم.
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهًا، وأحسنهم خلقًا، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير».
وعنه رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعًا بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء لم أر شيئًا قط أحسن منه».
وعن أبي إسحاق السبيعي قال: «سأل رجل البراء بن عازب: أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا بل مثل القمر».
وعن أنس رضي الله عنه قال: «ما مسست بيدي ديباجًا ولا حريرًا، ولا شيئًا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت رائحة أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم ».
ومن صفاته عليه الصلاة والسلام الحياء حتى قال عنه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: «كان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئًا يكرهه عرفناه في وجهه».
إنها صفات موجزة في وصف خلقة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلقه وقد أكمل له الله عز وجل الخلق والخلق بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.