- فى تجربتهما المشتركة الأولى، بدا كما لو أن وحيد حامد ويسرى نصر الله قد ربحا الرهان، وقدما عملاً سيعيش طويلاً فى ذاكرة السينما المصرية هو فيلم (احكى يا شهرزاد) الذى كتبه الأول وأخرجه الثانى، وبدا أيضاً أن الجمهور هو الرابح الأكبر حيث شاهد أحد أكثر أفلام هذا العام جرأة وأهمية وإثارة للنقاش.
ربما يندهش الجمهور فى البداية من هذا الإيقاع البطىء الذى لم يعتده فى أفلام وحيد حامد من "طائر الليل الحزين" وحتى فيلم "الوعد" ، ولكنها بصمة نصر الله الذى أراد أن يخلق جواً عاماً، ومسافة واضحة لكى نتأمل هذه التناقضات فى علاقة الرجال بالنساء، ثم نفكر بشكل أعمق فى تناقضات أكبر على مستوى المجتمع بأكمله خاصة فى إطار ظروف سياسية ملتبسة فى أفكارها وممارساتها.
السيناريو بأكمله أعيد تفسيره بصرياً من خلال عين مثقفة ترى مستويات متعددة للمشهد الواحد تماماً مثل الكادر الواحد الذى يجمع بين صورة المذيعة هبة يونس "منى زكى" وخلفها من خلال المونيتور- صورة ضيوفها من السيدات اللاتى يؤكدن أن رجال هذه الأيام يعيشون في القرن الحادى والعشرين بالفعل، ولكنهم يفكرون بعقلية القرون الوسطى.
لدينا أربعة نماذج نسائية يجمع بينهن القدرة على اتخاذ القرار الصعب في الوقت المناسب، ولديهن أيضا القدرة على البوح والحديث عما تعرضن له من انتهاك جسدى ونفسي، هن حفيدات "شهرزاد"، ولكنهن أكثر قدرة على فعل التمرد:
مذيعة التليفزيون "هبة يونس" التى تخضع جسدياً لزوجها الصحفى الوصولى "كريم" (حسن الرداد) ستخوض معه معركة جسدية عنيفة فى النهاية، ورغم الكدمات والإصــابات سـتـــخـــرج لـتـتــحدث عـن نفسها.
تهانى "سوسن بدر" ستفضل أن تظل بدون زواج على أن ترتبط برجل يريد إعادتها إلى عصر الحريم هو "أحمد فضل الله" (حسين الإمام) ، بل إن "تهانى" المرأة الفقيرة التى فتحت متجر والدها بعد وفاته مع شقيقتيها ستقتل "سعيد" عامل المتجر الذي استغل الشقيقات البائسات جنسياً وعاطفياً بلا رحمة.
"ناهد" ابنة الطبقة الثرية، وطبيبة الأسنان الناجحة، ستنجح فى خلع زوجها الوزير النصاب "أدهم" (محمود حميدة) بل إنها ستجد الجرأة لتعلن عن حكايتها بالتفصيل أمام كاميرات المذيعة.
الرجال على الطرف الآخر أنانيون لا يفهمون من الذكورة والرجولة سوى القدرة الجنسية، وهناك خيط غير مباشر يفسِّر قهرهم للنساء هو أنهم مقهورون بشكل أو بآخر: الصحفى "كريم" تقهره أطماعه في المناصب العليا، والعامل الشاب "سعيد" يمزقه إحساسه بالدونية أمام بنات ولى نعمته، و"أحمد" يبدو عبداً لأفكار وتقاليد بالية أقرب للأسوار الحديدية، و"أدهم" مفتون بالمال والسلطة معاً، والإضافة الأهم التى قدمها وحيد حامد لمأساة العلاقة بين الرجل والمرأة هى ربطها بمناخ عام تقتصر فيه القدرة على الفعل على نخبة محدودة فى حين يقف الكثيرون فى مقاعد المتفرجين، ولا شك أن حامد قدم هنا تفسيراً سياسياً لمعاناة المرأة في المجتمعات الشرقية السلطوية والذكورية، ولا شك أنها رؤية تستدعي التفكير والتأمل.
كل عناصر الفيلم جاءت على مستوى احترافي رفيع خاصة التشخيص: منى زكى التي قدمت دوراً مختلفاً، والتي بدت مخدرة جسدياً تجاه زوجها الموهوب حسن الرداد - الذى سيكون له مستقبل كبير كممثل - كما أنها عبرت باقتدار عن مشاعر التمرد في مشهد النهاية القوي، وقد ساعدتها ملابس (دنيا نديم) وألوانها البراقة على أن تظهر كدمية مثل "باربى" حتى تحولت إلى امرأة واعية بحقوقها فى لحظة التنوير الأخيرة.
أدهشنى أيضاً أداء سوسن بدر الرائع لشخصية تهانى الصعبة، وسيطرت تماماً على انفعالاتها وقدمت مشاعر ووجوها مختلفة لإنسانة مختلفة، وقدم محمود حميدة دوراً جديداً وفريداً ببراعة واقتدار، كما قدم نصر الله وجوها جديدة رائعة سيكون لها شأن كبير مثل رحاب الجمل ومحمد رمضان وسناء عكرود وناهد السباعى ونسرين أمين.
واعتمد المخرج الكبير على اللقطات القريبة التي تفضح الوجوه والمشاعر، وقام بتوظيفها بطريقة مؤثرة. ولابد من الإشادة أيضاً بديكورات محمد عطية التي تكشف عن ثراء المكان فى مقابل خواء النفوس والعواطف، وإضاءة سمير بهران والتصرفات الذكية بعكس الضوء على وجه "كريم" عاشق الأضواء عند جلوسه مع "هبة" فى الكازينو، وانعكاس الضوء على المياه في مشهد نزول الفتيات الثلاثة إلى الماء بالجلاليب.
ربما تشعر بالتململ لطول السرد في بعض الحكايات التي كانت تتطلب تدخل المونتيرة منى ربيع، خاصة حكاية "سعيد" والبنات الثلاثة، ولكن البناء بأكمله الذى ينقل "شهرزاد" كمذيعة إلى القرن الحادى والعشرين، والذي يعتمد على استخراج حدوتة من حدوتة على طريقة (ألف ليلة وليلة)، والبناء البصرى الموازى الذي يترك داخلك إحساسا قوياً بالرغبة فى التمرد وقتل السكون، كل ذلك يجعل من "احكى يا شهرزاد" فيلماً لا ينسى على مستوى الشكل والمضمون معاً.